الافق الابداعي في قضاء الحي

الافـــــق الابداعـــــي فــي قضــاء الحــي
التاريخ: Wednesday, January 10
اسم الصفحة: ادب


عباس فاضل الغريب
يتشكل المشهد الثقافي في مدينة الحي من باقة زاخرة من الكتاب والفنانين تتسع مدارات ابداعاتهم، حتى لتكاد ان تضيق بهم تلك المدينة الصغيرة بحجمها، وكما تتنوع فضاءات الابداع عند الكتاب من شعر، وقصة، ورواية، ومسرح، وادب اطفال، فضلا




عن الدراسات والبحوث، فالكتابة الصحفية المختلفة، كذلك تتنوع فضاءات الابداع عند فنانيها لتشمل الخط والرسم واعمال السيراميك فضلا عن فن التصوير وفنون التراث المختلفة. واذ اشرع في استعراض مفردات هذه الباقة اسأل العذر ان فاتني احد مبدعيها او احد نتاجاته وقد ارتبط الابداع بمدينة الحي منذ تأسيسها، اذ عرف فيها رجال علم وادب مثل( العلامة الشاعر عبد الحسين الجويعد، وعائلة القسام، وعائلة قفطان) تركوا اثرهم الواضح على السلوك العام في حياة مجتمعها مما منحها خصوصية لافتة للنظر عن سواها من المدن: لذا نراها كانت عنوانا للحركات الفكرية والشريك الدائم في الانتفاضات على مدار العصر الحديث (مثل انتفاضات؛ 1954و 1956و 1969و 1991) ويقينا لم يأت ذلك اعتباطا او محض صدفة. بل جاء نتيجة القاعدة الفكرية الاصيلة المبتناة على تراث ثقافي عريق. وهذا بدوره اسس لمشهد ثقافي موّار يرتبط بجذور حيوية ولا نغالي في ادعاء الخصوصية المطلقة لثاقفة مدينة الحي لاسيما اذا ما اخذنا بعين الاعتبار الخصوصية المطلقة ثقافة مدينة الحي لا سيما اذا ما اخذنا بعين الاعتبار الخصوصية الحضارية لها والتي تتضح في مختلف مجالات الحياة. وكتطبيقات بسيطة لذلك
فان مسميات مثل البساط الحياوي والذي طبقت شهرته الافاق (اذ نال جوائز عالمية في الكثير من معارض الصناعات الشعبية واليدوية) وكذلك العباءة الحياوية المعروفة والمفضلة في العراق والخليج والجزيرة وسعرها يؤكد ذلك كما عرف السرج الحياوي وغيره من الصناعات الجلدية والكثير من هذا القبيل حتى نصل الى الغناء الحياوي والذي يعتبر من اصعب انواع الغناء على الاطلاق والغناء والغافلي المرتبط بعائلة الغافل الحياوية وكذلك شعر البوذية الحياوي حتى شاع المثلان من لايغني او يقول الشعر فليس من الحي). فكان لامحيص من لمعان اسماء ابداعية بسرب سيحلق بعيدا في سماء الابداع الثقافي بينهم الباحث والمترجم سلمان العقيدي الذي ترجم (حبة قمح) وله بحث (تأثر السياب باليوت) ود. زاهد محمد صاحب نشيد (هربزي كرد وعرب رمز النضال) وكاتب مسلسل (غيدة وحمد) الذي اذاعته بغداد سنة 1964، والمرحوم عبد الرزاق الدراجي صاحب الدراسة التأريخية (جعفر ابو التمن) والمؤرخ حميد حمد السعدون وكاتب الاطفال الشهيد احمد عريبي جعفر بالاضافة الى السلسلة الرائعة من كتاب (شعراء حي واسط) والمتضمن قصائد الشعر الشعبي لابناء المدينة منذ الحرب العالمية الاولى حتى الوقت الحاضر متواصلا في الصدور كل جيل يطبع مجلده الخاص حتى بلغت ستة مجلدات حفظت اروع ماقاله المئات من شعراء المدينة الشعبيين والمعروفين تماما من قبل اهل هذا اللون..
ولا مفر من التأكيد على اكثر الظواهر خصوصية في ادب الحي وهي ظاهرة ادب الاطفال والتي تستدعي وقفة مطولة امامها (ليست من شأننا الان).
اذ قدمت مدينة الحي وادباؤها منجزا ادباؤها رصينا وزاخرا في هذا المجال لايمكن تجاوزه بسهولة اذ كتب القاص والباحث محسن ناصر الكناني قصصا للطفولة حصدت نصف دزينة من الجوائز المحلية والعربية وشارك الكناني في هذا الحصاد كل من القاص والروائي والمسرحي سالم شاهين (فضلا عن نتاجه المتميز في مسرح الطفل) والقاص حيدر غازي سلمان (الذي كتب شعر الطفولة وصدر نتاجه في الكثير من المجلات العربية المتخصصة) وتمتد قائمة ادب الاطفال لتشمل القاص شاكر الكناني وسعد العقابي اللذين نشرا نتاجهما في العديد من الصحف والمجلات وبعضها تم تناوله في دراسات بهذا الخصوص. وفيما سوى الطفولة فان محسن الكناني كتب القصة القصيرة منذ ستينيات القرن المنصرم. اذ صدرت مجموعته القصصية الاولى (اللامبالي) عام 1967 بينما لم تصدر مجموعته الثانية (تلك الليالي) الا في عام 2001 وخلال هذه المدة كتب ونشر العديد من القص في الصحف والمجلات العراقية والعربية وقدم بحوثا ودراسات في مجال قصة الطفل وصدر له عن اتحاد الكتاب العرب كتابه (سحر القصة والحكاية) وهو في مجال الادب المقارن. كما قدم مؤخرا كتابه (البطل الطفل في القصة العراقية). ويمتاز الكناني بالكثافة في السرد والمفردة الغضة والجملة المأنوسة. تمتلئ صفحاته بزقزقة العصافير وهديل الحمام وخرير المياه. بينما وسع سالم شاهين في فضاء كتابته فكتب القصة القصيرة اذ صدرت له عن دار الشؤون الثقافية مجموعته الاولى (من يموت بلا رائحة؟) سنة 2001 وكتب عدة روايات منها (مدينة بلا شرفات) و (رازقية)، و(رفسة حصان) فضلا عن كتابته المسرحية التي كان اخرها مسرحية (القرش الاصفر) والتي نشرت مؤخرا في مجلة الاقلام-العدد الخاص بالمسرح-يمتاز سالم شاهين بلغة شاعرية ثرة وبناء درامي محكم فضلا عن تنوع اساليبه في الكتابة بين التقليدي والتجريبي. بينما يتسم حيدر غازي فضلا عن شفافية لغته بمعالجته للهم الفردي. وتطول قائمة القصاصين في قضاء الحي لتفخر بالقاص المبدع موسى غافل الشطري باسلوبه المميز في التعامل مع المفردة الفائقة الذكاء والجملة القصصية الكثيفة الدافقة فضلا عن محليته في معالجة الموضوع واستثمار الموروث الشعبي بحصافة اثرت نصوصه بسحرها في اسر القراء على اختلاف ثقافتهم اذ تتحمل نصوصه مستويات مختلفة من القراءة لما تتشبع به من شفيرات مركبة تدفعها لان تحتل مساحة واسعة من التأويل المرتبط بوعي القارئ. وقد صدرت له عن دار الشؤون الثقافية العامة مجموعتان قصصيتان الاولى (الجذور المتوحشة) سنة 2001 والثانية (فناءات قزحية) سنة 2005 وله تحت الطبع مجموعته القصصية الثالثة (ليل معدني) والتي سبق وان رفضت ايام النظام السابق لاسباب سياسية. ويشدو مع سرب القصاصين ايضا القاص صالح مطروح الذي صدرت مجموعته الاولى (جذور الضفاف) عن دار الشؤون الثقافية العامة فضلا عن نشر الكثير من نتاجه من خلال الصحافة وضمن ذات السرب يقف قاص مبدع اخر هو القاص عبد الحسين الشيخ طعمة مثابرا نحو انجاز تجربته الادبية اذ توقف عن النشر بعد صدور مجموعته القصصية الاولى (حارس النهر) عن دار الشؤون الثقافية العامة وقد تسنت لي قراءة مجموعته الثانية (هروب الالهة) واعمال اخرى. يعلل الشيخ توقفه عن النشر لغرض اكمال مشروعه الادبي..وهناك مجموعة طيبة من الشباب تشق طريقها في مضمار القصة بمحاولات جادة منهم عبد الرضا الجبوري واحمد الصافي والقاصة الوحيدة ميادة جبوري وقد صدرت بعض نتاجاتهم ضمن الصحافة المحلية.
وتزخر سماء الشعر في مدينة الحي بكوكبة رائعة من الشعراء كتبوا في مختلف الوان الشعر بدءاً من العمودي ومروراً بالحر حتى قصيدة النثر..ويحلق هذا السرب متطلعاً الى طليعته الرائعة من الشعراء المبدعين وعلى رأسهم الشاعر المتميز حسن سالم الدباغ الذي صدرت مجموعته الشعرية الاولى (ومن اوراق يوسف) عن دار الشؤون الثقافية العامة،وله تحت الطبع الان مجموعته الشعرية (ليلة تشم الورد) فضلاً عن مجموعتين بالانتظار..يرتكز الدباغ على موسوعة ثقافية تعززها ثقافة قرآنية برزت في نصوصه الموزعة بين الشعر العمودي والشعر الحر على ما يلتقيان به من لغة شفافة محلقة تجد سبيلها الى القلوب بيسر ليتردد صداها طويلاً..يمتاز الدباغ بتلك الملكة في اضفاء البعد الانساني على الهم الفردي وجعله هماً عاماً، كما ترتبط تجربته (وهو الفارس المربدي) بجذور التجارب العراقية الاصيلة،ولم ينهكها اللهاث خلف ما سقط من متاع التجارب الغريبة..فضلاً عن وعيه اللافت للنظر في معالجة موضوعه فهو يمسك بزمام القارئ ليستشف الاسئلة معه ثم ليقره الى جواب هو عين ما يبحث عنه قارئه على اختلاف ادراكه..وبالاضافة الى الدباغ فهناك ايضاً الشاعر والمؤرخ والصحفي هادي علي الزيادي وقد اصدر عدة كتب وكذلك الشاعر المبدع علي ندوش الحائز على المرتبة الاولى في ثلاث مسابقات شعرية على التوالي اقامها اتحاد الادباء الشباب وله مجموعة شعرية اولى (وهج الجراح) صادرة عن اتحاد الادباء الشباب..بالاضافة الى الشاعر العمودي ابراهيم نذير والشاعر المجتهد رضا حبيب ليلي هذه الطليعة مجموعة رائعة من الشباب طغت قصيدة النثر على تجاربهم من الشاعر حميد الزاملي والشقيقين عبد الرضا زكي وعبد الامير زكي والشاعر حيدر حسين المياحي واحمد سالم والشاعر ابراهيم الخياط المقيم في كندا حالياً والشاعر عماد النجار (الذي فضلاً عن شاعريته فهو فنان كرافيك) وقد نشروا قصائدهم في الكثير من الصحف والمجلات..ويتسع المشهد الثقافي في قضاء الحي محلقاً في فضاء الفنون التشكيلية اذ زخرف المدينة بفنانين جادين في هذا المضمار يقف في طليعتهم الفنان والخطاط كاظم محمد حسن قفطان الذي اقام واشترك في العديد من المعارض حاصداً الجوائز اللامعة وكذلك فنان السيراميك ناصر عبد محمد الذي اشترك في الكثير من المعارض المحلية والعربية والعالمية وفي فضاء الفن هناك ايضاً الفنان المصور الفوتوغرافي الرائع حامد حساني والذي هو الاخر كان فارساً في الكثير من المعارض القطرية..
ولاننسى فناني السينما والمسرح امثال الفنان صباح السيد مهدي والفنان المخرج طالب جميل والفنان المخرج علي ناصر حسين والمخرج المسرحي عمار حميد غنتاب.
واخيراً فان كاتب هذه السطور كتب القصة القصيرة وصدرت له بعض المقالات النقدية فضلاً عن الكتابة الصحفية والتصوير الفوتوغرافي للصحافة.
ويجمع فناني وادباء قضاء الحي مركز ثقافي تحت عنوان (منتدى الحي الثقافي) وهو مرتبط بالاتحاد العام لادباء وكتاب العراق..فضلاً عن ارتباط مبدعيه بالاتحادات والجمعيات الثقافية المركزية.
كما ينفرد قضاء الحي بسمة فريدة ليس لها سابقة الا وهي متحف المدينة الذي اسسه السيد منعم العطار ويشتمل على حضارة وتاريخ المدينة فضلاً عن الكثير من الاعمال الابداعية لابناء المدينة.
ولايمكن ان نسدل الستار على مشهد الحي الثقافي دون الاشارة الى واحد من ابرز اعلامه الا وهو روائي الريف وكاتب العمود الصحفي الشجاع الشهيد شمران الياسري ( ابو كاطع ) الذي رسخت كتاباته الجريئة في ذاكرة الثقافة العراقية بمختلف اجيالها.









هذا الخبر من موقع جريدة الصباح